توافقت الآراء على سحر وروعة قصص ألف ليلة وليلة،واختلفت حول شخصياتها؛ هل على بابا رجل طيب، أم لص لا يختلف عن عصابة الأربعين حرامىالتى استولى على مسروقاتها، وهل علاء الدين شاب عاطل بلا طموح، أم مثال للمحب المدافع عن حبيبته. برغم الجدل، ألهمت القصص الفنانين في أنحاء العالم باختلاف تخصصاتهم- رسامين، موسيقيين، مؤلفين ومخرجين.
شاهدت مؤخرًا فيلم علاء الدين فى نسخته الأمريكية، بطولة مينا مسعود ونعومي سكوت وويل سميث.انتاجشركة ديزني.أداء متميز ومشاهد ساحرة طُوِعَت فيها التكنولوجيا لخدمة الخط الدرامي فيالفيلم، فَظَلَ البعد الإنساني الأسمى والأهم، بعد انتهاء الفيلم رحت استرجع وأقارن بينه وبين النسخة الأصلية للقصة، ودلالات الارتباط بتراكيب الشخصيتين؛ العربية والأمريكية.
تحكي النسخة العربية عن شاب متمرد لا يستقر في عمل، يخرج ذات يوم إلى السوق فيقابله ساحر متخفٍ في ثياب رجل طيب يدعي معرفتهبوالده المتوفي، لكنه سرعان ما يكشف له عن حقيقته ويهدده ليساعده فى الحصول على المصباح السحرى من كهف العجائب، ينصاع علاء الدين لأوامره وينبهر بما فى الكهف منمجوهراتوأحجار كريمة، وينسي تحذيره بألا يمس شيئًا منها، فما أن تلمس يده زمردة حتى تُغلق المغارة بابها عليه، ويمضي الساحر حزينًاعلى ضياع المصباح السحري.
ولكنعلاء،الذى ظنه الساحر محبوسًافي المغارة، يخرج سالمًا،ومعه المصباح السحري،بمساعدةجني.يحكيلأمه ما حدث ويكتمانالأمر، فكانا كلما جاعا استدعيا الجني ليعد لهما وليمة فاخرة فى أطباق فضية، فيأكلاحتى يشبعا ويبيعا الأواني فى السوقويعيشا بثمنها أيامًا فإذا ما أفلسااستدعيا الجنى.وبينما هوفى السوق ذات يوم وقعت عيناه على الأميرة فيقع فىحبها ويبعث بأمه لخطبتها فيتعجب الملك لجرأتها، ثم يسايرها ويطلب مهرًا خياليًا يخوض علاء الدين من أجله مخاطر وأهوال ومغامرات، وفي النهاية، وكعادة الحكايات العربية، تزوج الحبيبان وعاشا فىتبات ونبات.
من حيث التركيب، تتماثل القصة مع عمومحكايات الليالي،تتصاعد الأحداث ويقع البطل فىمهالك،فيظهر الجنيفى الوقت المناسب، هرب معروف الإسكافي من زوجته وأوي إلى بيت مهجور، ضعيفًا بلا حيلة، فيطير بهالجني إلى بلد بعيد، يظنونهشهبندر تجاربلاده فيزوجه الملك بابنته ويدفع له التجار ثمن قافلته المنتظره، فلما كُشف أمره خرج مطرودًا وما هو إلا يوم أو يومان حتى عاد للمدينة بقافلة تسد عين الشمس، فيعتذروا له ويكرموه، فكالعادةأنقذالجنيالموقف.
في النسخة العربية لقصة علاء الدين لا حدود للأمنيات، باختصار الجني فى خدمة حامل المصباح؛ خيرًا أو شرًا، لذا لم تخرج طلباته عن احتياجاته اليومية، لم يشغل باله بالمستقبل، فالجني متاح عند الطلب.فى النسخة الأمريكية لا يُسمحلعلاء الدينبأكثر منثلاث أمنيات، فكان قبل التمني يعتمد على نفسه، تاركًاالجنى كحل أخير،أدركأن طريق الأمنيات بلا نهاية، فتحقق أمنية يشغلهبأخرىجديدة، وهل يقنع الإنسان؟!.
لعله فارق هام بين ثقافتين، واحدة تبحث عن مفتاح واحد لكافة المشاكل، وأخرى تعلم أن التغيير بيد الإنسان أولاً. جميل أن نتمنى، الأجمل أن نعرف كيف نحقق أمانينا بأنفسنا، فالجني الذي يستدعيه علاء الدين كلما ضاقت به السبل ليس سوي إمكاناتك أنت، لا أحد سواك، يقينًا أننا لا نتجاوز حدود الأخذ بالأسباب، فيمن الله علينامن واسع فضله ورحمته. نكمل المقال القادم إن شاء الله.